محضر التحريات_ أصدرت محكمة جنايات الجيزة، برئاسة المستشار الدكتور محمد الجنزوري وعضوية المستشارين وائل الشيمي وأيمن زعلوك، حكمًا مهمًا أرست من خلاله مبدأ قانونيًا راسخًا بشأن بطلان إجراءات التحقيق إذا شابها خلل رسمي.
وأكدت المحكمة أن إذن النيابة العامة يصبح باطلاً إذا صدر استنادًا إلى محضر تحريات باطل لعدم توقيعه من مفتش مباحث المخدرات بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات، مشددة على أن محضر التحريات يُعد ورقة رسمية صادرة عن موظف عام، ويجب أن تحمل بذاتها مقومات صحتها.
وأوضحت المحكمة أنه لا يجوز تعزيز صحة المحضر الرسمي بأدلة أخرى مثل شهادة الشهود، لأن المحضر الرسمي يجب أن يظل صحيحًا بذاته، وإذا فقد هذه المقومات يُعتبر باطلاً، ويمتد أثر هذا البطلان إلى جميع الإجراءات المتفرعة عنه، وأبرزها إذن النيابة العامة الذي يصدر على أساس محضر تحريات باطل. ويؤكد هذا الحكم التزام القضاء بالشرعية الدستورية والإجرائية وحماية الحقوق والحريات الفردية المنصوص عليها في الدستور.
حيثيات الحكم
وفي حيثيات الحكم الصادر في الجناية رقم 11302 لسنة 2025 قسم شرطة الطالبية، والمقيدة برقم 6240 لسنة 2025 كلي جنوب الجيزة، الصادر بجلسة 13/11/2025، أوضحت المحكمة أنه بتاريخ 12/8/2025 أحرز المتهم جوهرين مخدرين أحدهما مشتق من مادة الفنتانيل والآخر حشيش، بالإضافة إلى سلاح أبيض “مطواة” بدون ترخيص، بقصد الاتجار. وقد أحالته النيابة إلى المحكمة وطلبت عقابه استنادًا إلى مواد عدة من قوانين المخدرات والأسلحة.
وشهد مقدم الشرطة بأن المتهم تم ضبطه بحوزته المضبوطات، وأقر المتهم باستخدام المخدرات بغرض الاتجار والمطواة للدفاع عن تجارته، فيما قدم الدفاع مقطعًا مرئيًا دفع فيه ببطلان محضر التحريات لعدم توقيعه من محرره، واختلاف وزن المضبوطات، وكيدية الاتهام، وانتهى إلى طلب البراءة.
شكوك جوهرية في صحة إسناد التهمة للمتهم
وقد محصت المحكمة الدعوى، ووزنت بين الأدلة المؤيدة للدعوى وأدلة النفي، وتبين لها وجود شكوك جوهرية في صحة إسناد التهمة للمتهم، معتبرة أن للواقعة صورة أخرى غير تلك التي سردها شاهد الواقعة، مما جعلها تتشكك في صحة ما نسب إلى المتهم.
وأوضحت المحكمة أن الدستور المصري يكفل الحرية الشخصية كأقدس الحقوق الطبيعية للإنسان، وأنه لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه إلا بأمر قضائي مسبب، وأن محضر التحريات يجب أن يحمل توقيع ضابط الإدارة العامة لمكافحة المخدرات ليكون صحيحًا، وإلا يوصم بالبطلان.
وبتطبيق هذه القواعد على وقائع الدعوى، تبين أن محضر التحريات خالٍ من أي توقيع يمكن نسبته لمصدره، ما يوجب بطلانه، ويؤدي بالضرورة إلى بطلان إذن النيابة العامة الصادر بناء عليه، ويجعل ضبط المتهم وإجراءات التفتيش غير قانونية، ولا يمكن الاعتماد على المضبوطات أو شهادة الشهود في الإدانة.
وعليه قضت المحكمة ببراءة المتهم من جميع التهم الموجهة إليه، مع مصادرة المخدرات والسلاح الأبيض المضبوطين وفقًا للقانون، مؤكدة التزام القضاء بحماية الحقوق والحريات وصون الشرعية الإجرائية.
