بطلان فوز القائمة_ عاد الجدل ليتصدر المشهد الانتخابي بعدما طُرحت تساؤلات حادة حول ما إذا كان بطلان الانتخابات في النظام الفردي يمتد أثره إلى نظام القوائم، خصوصًا أن الناخب يدلي بصوت واحد داخل لجنة واحدة، وإن كان يُسجّله عبر ورقتين وصندوقين مختلفين.
هذا السؤال لم يعد فنيًا بقدر ما أصبح قضية رأي عام، بعد أن أبطلت المحكمة الإدارية العليا نتائج عشرات الدوائر الفردية، في وقت بقيت فيه نتائج القائمة الوطنية “من أجل مصر” كما هي دون مساس.
جدل قانون حول تفسير الوطنية للانتخابات
المستشار أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، قدم تفسيرًا رسميًا يقطع – من وجهة نظره – الصلة بين النظامين، مؤكدًا أن «التصويت على الفردي شيء، والتصويت على القائمة شيء آخر»، وأن إبطال نتائج الفردي لا يستتبع بحال إبطال نتائج القائمة، بينما العكس صحيح إذا ما شاب البطلان عملية الاقتراع بالقائمة.
هذا التبرير أثار موجة انتقادات واسعة، إذ رأى قانونيون أنه يفتقر إلى المنطق ويخالف طبيعة العملية الانتخابية ذات البناء الواحد، فالصوت الذي يمنحه الناخب هو تعبير واحد عن إرادة سياسية واحدة، حتى وإن توزعت على ورقتين وصندوقين. ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن تجزئة الصوت إلى «شق فردي» و«شق قائمى» أمر غير متسق مع واقع الاقتراع ولا مع القواعد المستقرة في نظرية امتداد البطلان.
القواعد المستقرة في نظرية امتداد البطلان
وفي هذا السياق، قدّم المحامي بالنقض والإدارية العليا علي أيوب نقد قانوني ومنهجي لهذا التفسير، معتبرًا أن الامتناع عن مدّ أثر البطلان إلى القوائم يخالف المنطق المستقر لنظرية استطالة البطلان في القانون العام، وأن الهيئة تعاملت مع صوت الناخب الواحد كأنه «منشطر إلى نصفين» على نحو لا يقبله عقل أو قانون، معلقا: بصراحة لم يقنعني نهائيا بما قام به من تفسير ينقصه المنطق ويجافى طبائع الأمور ويناقض الحال.
ينطلق أيوب في تحليله من مسلمة مفادها أن الناخب يدخل لجنته الفرعية ليُدلي بصوت واحد، وإن كان يتجسد في ورقتين وداخل صندوقين، إلا أن فعله الانتخابي لا ينقسم، وبالتالي فإن بطلان عملية التصويت في الفردي – الذي ثبت في عشرات اللجان وفقًا لأحكام الإدارية العليا – يجب أن يمتد أثره إلى القوائم تلقائيًا.
ويرى أن الهيئة أخطأت عندما عزلت النظامين عن بعضهما، معتبرًا أن هذا الفصل المصطنع فتح الباب لخلل قانوني قد يهدد بشرعية المجلس من أساسه.
ويمضي أيوب في تصعيد نقده ليضع الهيئة الوطنية أمام مسؤولية ما وصفه بـ«التخبط التنظيمي»، معتبرًا أن الخروقات التي شهدتها المرحلة الأولى لم تكن نتاج سلوك الناخب، بل نتيجة تقاعس الهيئة عن الرقابة الفعالة، ما أدى – حسب قوله – إلى هشاشة العملية الانتخابية منذ بدايتها.
ويتوقع أن تنظر محكمة النقض إلى مسألة امتداد البطلان إلى القوائم بمنظور أكثر اتساقًا مع وحدة العملية الانتخابية، ما قد يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة تتجاوز مجرد إعادة التصويت في دوائر فردية.
مجلس نواب «قصير العمر»
كما يشير إلى أن تفاوت مدد الدعاية والطعون والتظلمات بين الدوائر المبطلَة بقرار إداري وتلك المبطلَة بحكم قضائي خلق مساسًا بمبدأ تكافؤ الفرص، وأن إدارة العملية الانتخابية اتسمت باحتشاد قرارات عاجلة وغير دقيقة، إلى جانب تصريحات متناقضة أربكت الأحزاب والمرشحين.
ويرى أن المسار بمجمله قد يؤدي إلى مجلس «قصير العمر»، معتبرًا أن الوطن والمواطن سينتهي بهما الحال بخسارة برلمان قادر على تمثيل الإرادة الشعبية تمثيلًا حقيقيًا.
وبين تفسير الهيئة المبني على فصل النظامين، وانتقادات القانونيين المستندة إلى وحدة الصوت، تبقى القضية مفتوحة على احتمالات واسعة، رهنًا بما ستقرره محكمة النقض عند نظر الطعون، وما إذا كانت ستتبنى منطق الاستقلال بين القائمتين أو منطق وحدة العملية الانتخابية الذي يردد صداه قطاع واسع من الخبراء.
