بناء مسجد مخالف_ قضت محكمة أبو تشت الجزئية، في جلسة الجنح والمخالفات المنعقدة علنًا بسراي المحكمة، ببراءة المتهم في القضية رقم ٢٢٤٢٧ لسنة ٢٠٢٥ جنح أبو تشت، والمتهم بإقامة مبانٍ على أرض زراعية بالمخالفة لأحكام قانون الزراعة.
صدر الحكم برئاسة المستشار إسلام محمود أبو ناجي، وبحضور ممثل النيابة العامة وأمين السر، وذلك بعد سماع المرافعة الشفوية ومطالعة أوراق الدعوى ومناقشة محرر محضر الواقعة.
وكانت النيابة العامة قد أسندت للمتهم محمد زكي محمد رسلان تهمة إقامة مبانٍ على أرض زراعية بدائرة مركز أبو تشت، وطلبت معاقبته بالمواد ١٥١ و١٥٢ و١٥٥ و١٥٦ من القانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ المعدل بالقانونين رقمي ١١٦ لسنة ١٩٨٣ و٢ لسنة ١٩٨٥.
وخلال تداول الدعوى، تم تعديل القيد والوصف، وحضر المتهم بوكيل عنه محامٍ، الذي دفع ببراءة موكله تأسيسًا على شيوع الفعل، موضحًا أن العين محل الاتهام عبارة عن مسجد تُقام فيه الشعائر الدينية، وأن جميع أهالي المنطقة شاركوا في إنشائه، بما يتعذر معه تحديد فاعل بعينه.
وبمناقشة محرر المحضر أمام المحكمة، أقر بأن المبنى محل الاتهام مسجد بالفعل، وأن أهالي القرية جميعهم شاركوا في بنائه، ووقع على تلك الأقوال بمحضر الجلسة، وهي ما اطمأنت إليه المحكمة واعتبرته دليلاً على شيوع الاتهام وانتفاء الدليل الجازم على نسبة الفعل للمتهم وحده.
وأكدت المحكمة في حيثياتها أن قضاء النقض استقر على أن حكم البراءة لا يُشترط فيه ما يُشترط في أحكام الإدانة، ويكفي أن تتشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم، دون التزام بالرد على كل دليل، طالما لم تطمئن إلى قيام الإدانة على الجزم واليقين.
ولم تقتصر المحكمة في تسبيب حكمها على الجانب القانوني فحسب، بل استندت كذلك إلى البعد الديني والوظيفي للمبنى، باعتباره بيتًا من بيوت الله، مستشهدة بعدد من الآيات القرآنية، من بينها قوله تعالى في سورة النور الآية ٣٦:
﴿في بيوتٍ أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه يُسبح له فيها بالغدو والآصال﴾.
كما استشهدت المحكمة بقوله تعالى في سورة التوبة الآية ١٨:
﴿إنما يعمر مساجدَ الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين﴾.
وأضافت المحكمة استشهادها بقوله تعالى في ذات السورة الآية ٢٠:
﴿الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجةً عند الله وأولئك هم الفائزون﴾.
واعتبرت المحكمة أن إقامة المسجد ومشاركة أهالي المنطقة في بنائه تجعله من قبيل الأعمال التي أذن الله بها، وأن توقيع العقاب الجنائي في واقعة خلت من دليل يقيني على شخص مرتكبها، وتعلقت ببناء مسجد تُقام فيه الشعائر، يتعارض مع صحيح القانون ومقاصد العدالة.
وانتهت المحكمة إلى القضاء ببراءة المتهم عملاً بنص المادة ٣٠٤/١ من قانون الإجراءات الجنائية، لعدم كفاية الأدلة، وشيوع الاتهام، واستحالة تحديد مرتكب الواقعة على وجه الجزم واليقين.
ويؤكد هذا الحكم مجددًا أن الأصل في الإنسان البراءة، وأن الإدانة الجنائية لا تُبنى إلا على دليل قاطع، لا على الظن أو الافتراض، وأن الشك يفسر دائمًا لصالح المتهم.
