الطعن على انتخابات_ بعد صدور أحكام المحكمة الإدارية العليا بإبطال نتائج الانتخابات في نحو 30 دائرة بالمرحلة الأولى، تدفقت الأسئلة على المحامين والمرشحين حول كيفية الطعن، والمحكمة المختصة، والمواعيد، والوثائق المطلوبة، والفارق بين الطعن على إعلان الفوز والطعن على قرارات الإعادة.
ولصعوبة الرد على كل استفسار على حدة، بات من الضروري توضيح الإطار القانوني الكامل الذي يحكم الطعون الانتخابية، خاصة في ضوء الأحكام الأخيرة التي اعتبرت من أوسع الأحكام الانتخابية تأثيرًا خلال السنوات الأخيرة.
أولاً: المحكمة المختصة… بين الإدارية العليا ومحكمة النقض
وضعت الإدارية العليا معيارًا فاصلًا في تحديد جهة الاختصاص:
1- الطعن على مرشح تم إعلان فوزه
أوضحت المحكمة أن من أُعلن فوزه أصبح عضوًا بمجلس النواب “البرلمان”، وبالتالي ينصرف الطعن إلى صحة عضويته، وهو اختصاص حصري لمحكمة النقض، ويُنصح المرشحون الراغبون بالطعن بتقديم صحيفة طعن مباشرة أمام النقض مشفوعة بالمستندات كافة.
2- الطعن على قرارات الإعادة
اعتبرت الإدارية العليا أن إعلان أسماء المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات والدخول إلى جولة الإعادة هو قرار إداري يدخل ضمن ولايتها، طالما لم يُعلن فوز أحدهم بعد، وعليه، تُرفع طعون الإعادة أمام المحكمة الإدارية العليا بالقاهرة.
ثانيًا: مواعيد الطعن… 48 ساعة فقط
رغم أن القواعد العامة للطعن على القرارات الإدارية تنص على 60 يومًا، فإن طعون الانتخابات البرلمانية تخضع لآجال خاصة، حيث أن طعون الإعادة: يجب تقديمها خلال 48 ساعة من إعلان النتيجة من الهيئة الوطنية للانتخابات، وليس من اللجنة العامة.
أما الطعن على الفوز، فيقدَّم مباشرة إلى محكمة النقض بمجرد إعلان نتيجة الفوز.
وتشير الأحكام الأخيرة إلى أن التأخير يعرض الطعن لعدم القبول شكلاً.
ثالثًا: إجراءات الطعن… التظلم أولًا
فرّقت الإدارية العليا بين نوعين من الإجراءات:
1- الطعن على أعمال اللجان الفرعية
يشترط لقبول الطعن أن يسبق ذلك تظلم أمام اللجنة العامة أثناء الاقتراع أو خلال 24 ساعة من إعلان نتائج الرصد، غياب هذا التظلم يؤدي مباشرة إلى عدم قبول الدعوى.
2- الطعن على أعمال الرصد والتجميع باللجان العامة
لا يشترط فيها تقديم تظلم مسبق. ويمكن اللجوء مباشرة إلى المحكمة الإدارية العليا.
رابعًا: أسباب الطعن… بين خروقات الفرز وأخطاء الرصد
تتضمن الطعون عادة شكاوى مثل:
منع الوكلاء من حضور الفرز،
التصويت الجماعي أو العلني،
عدم مطابقة أعداد المصوتين لأوراق الاقتراع،
إغفال أصوات صحيحة أو تسويد بطاقات.
وتصلح هذه الأسباب للطعن أمام محكمة النقض في نتيجة الفوز، وللطعن أمام الإدارية العليا بشرط أن تتضمن صحيفة الطعن طعنًا واضحًا على أعمال اللجنة العامة، وطلب ضم محاضر الفرز كاملة.
خامسًا: الطلبات الختامية النموذجية أمام الإدارية العليا
عادة ما تشمل الطلبات:
قبول الطعن شكلاً
وقف تنفيذ قرار الهيئة الوطنية للانتخابات بإعلان نتيجة الجولة الأولى وما ترتب عليه من إعادة
إلغاء القرار المطعون عليه وما ترتب عليه من آثار
إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات
سادسًا: مستندات الطعن… محاضر الفرز “قلب العملية الانتخابية”
أكدت المحكمة أن محاضر الفرز هي الوثيقة الوحيدة القادرة على كشف حقيقة الأصوات، ولا يمكن استبدالها بكشوف الحصر العددي (نموذج 12 ن) لأنها مجرد خلاصة رقمية.
أمام محكمة النقض:يجب إرفاق ما يُثبت تقديم تظلم للجنة العامة خلال المواعيد القانونية.
أمام الإدارية العليا: أهم ما يتمسك به الطاعن هو طلب ضم محاضر الفرز من الهيئة الوطنية للانتخابات، لأنها تحت يد الجهة الإدارية وحدها.
السيناريوهات المحتملة:
امتناع الهيئة عن تقديم المحاضر: يؤدي غالبًا إلى إلغاء النتيجة.
تقديم المحاضر ومطابقتها للنتيجة المعلنة: رفض الطعن.
تقديم المحاضر مع تفاوت الأرقام: إلغاء النتيجة والدعوة لإعادة الانتخابات.
الأحكام الأخيرة… رسالة قضائية عن الشفافية
جاءت أحكام الإدارية العليا بإبطال الانتخابات في 30 دائرة محملة بانتقادات واضحة للهيئة الوطنية للانتخابات بسبب امتناعها عن تقديم محاضر الفرز، وهو ما وصفته المحكمة بأنه: “نكول عن الوفاء بالالتزام القانوني”
وأكدت الحيثيات أن غياب محاضر الفرز يحرم القضاء من ممارسة رقابته، ويجعل قرارات إعلان النتائج فاقدة لركن السبب وغير قائمة على أساس صحيح.
وتوزعت الدوائر الملغاة في محافظات: الجيزة، البحيرة، الإسكندرية، المنيا، أسيوط، سوهاج، الفيوم، الوادي الجديد، أسوان، الأقصر.
وقائع فنية أبرزتها الطعون
شهدت الطعون العديد من الاتهامات، منها:
دمج لجان تسبب في تكدس الناخبين بالبدرشين والعياط
تصويت جماعي في كوم حمادة
أخطاء جسيمة في كشوف الناخبين ببندر المنيا
طرد المندوبين ومنع حضور الفرز في أسيوط
اختلافات بين الحضور الفعلي والأصوات المعلنة
ورغم تعدد هذه الوقائع، رأت المحكمة أن غياب المحاضر الرسمية هو سبب البطلان الجوهري.
محكمة النقض… سلطة إعلان الفائز الحقيقي
بينما تكتفي الإدارية العليا بإلغاء القرارات، فإن النقض تمتلك صلاحية:
إعلان الفائز الصحيح،
أو إبطال العضوية،
أو الأمر بإعادة الانتخابات.
خلاصة: محاضر الفرز… وثيقة الشرعية الديمقراطية
تنتهي الأحكام برسالة واضحة: لا انتخابات نزيهة دون محاضر فرز كاملة ومعلنة، فهي الوثيقة التي تُبنى عليها شرعية البرلمان، والتي تُثبت إرادة الناخبين بدقة، ومن دونها تصبح العملية الانتخابية منقوصة، وأي قرار بإعلان النتائج معرّضًا للبطلان.
